نقض فلسفة وراثة الخطيئة الأصلية
وهذه التبريرات المتهافتة ما كان لها أن تقنع أحداً ممن يرى في وراثة الذنب ظلماً يتنزه الله عنه.
فتشبيههم لوراثة الذنب بعدوى المرض باطل، لأن المرض شيء غير اختياري فلا يقاس الذنب عليه، كما المرض لا يعاقب عليه الإنسان.
وفصل أكونياس بين الروح والجسد وقوله بأن الخطيئة تسري من الروح للجوارح خطأ، لأن الخطأ عندما يقع فيه الإنسان، فإنما يقع فيه بروحه وجسده، فالإنسان مركب منهما، ويمارس حياته من خلالهما معاً. أما آدم فهو غير مركب في آدم وأبنائه.
لذا نصر على اعتبار وراثة الذنب نوعاً من الظلم لا يليق نسبته لله عز وجل.
وهذا المعتقد لا دليل عليه في التوراة، بل الدليل قام على خلافه، إذ جاءت النصوص تنفي وراثة الذنب، وتؤكد على مسئولية كل إنسان عن عمله ومنها:
- « النفس التي تخطيء هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون » حزقيال 18/20 - 21 .
- « لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل » تثنية 24/16 .
- « بل كل واحد يموت بذنبه، كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه » إرمياء 31/30 .
- « الذي عيناك مفتوحتان على كل طرق بني آدم لتعطي كل واحد حسب طرقه، وحسب ثمرة أعماله » إرميا 32/19
- « لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته » أيام 2- 25/4 .
- « فإنه لا يموت بإثم أبيه » حزقيال 18/17 .
- « أفتهلك البار مع الأثيم، عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم. حاشا لك، أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً » تكوين 18/23 - 25 .
كما أنكر المسيح الخطيئة الأصلية بقوله: « لو لم آت وأكلمهم، لم تكن لهم خطيئة، وأما الآن فليس لهم حجة في خطيئتهم... لو لم أعمل بينهم أعمالاً لم يعملها آخر، لما كانت لهم خطيئة، أما الآن فقد رأوا وأبغضوني » يوحنا 15/22 - 24
فالنص لا يتحدث عن خطأ سابق عن وجوده، بل عن خطأ وقع فيه بنو إسرائيل تجاهه، هو عدم الإيمان بالمسيح، وليس فيه أي ذكر للخطيئة الموروثة بل هو لا يعرف شيئاً عنها.
بطلان وراثة الخطيئة بإثبات براءة الكثيرين من الخطيئة الأصلية
تشهد الكتب المقدسة عند النصارى لكثيرين بالخيرية وتثني عليهم، ولو كانوا مسربلين بالخطيئة الأصلية لما استحقوا هذا الثناء، ومنهم الأطفال الذين قال فيهم المسيح في إحدى وصاياه «الحق أقول لكم، إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات، فمن وضع نفسه مثل هذا الولد، فهو الأعظم في ملكوت السماوات » متى 18/3 - 4 ، وانظر مرقس 10/13/16 .
وعندها نهر تلاميذه أطفالاً قال: «دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات » متى 19/13 - 14 فيفهم من هذين النصين طهرة الأطفال من الخطيئة الأصلية، لذلك جعلهم مثلاً للأبرار الذين يدخلون الجنة.
لكن القديس أوغسطينوس كان يحكم بالهلاك على جميع الأطفال غير المعمدين، وكان يفتي بأنهم يحرقون في نار جهنم.
والأبرار أيضاً لم يحملوا هذه الخطيئة لذلك يقول المسيح: « لم آت لأدعو أبراراً، بل خطاة إلى التوبة » لوقا 5/32 فكيف يوجد أبرار ولما يصلب المسيح.
وهؤلاء الأبرار ذكرتهم نصوص التوراة وأثنت عليهم ولم تتحدث عن قيدهم بالخطيئة الموروثة «كان كلام الرب إلى قائلاً: ما لكم أنتم تضربون هذا المثل على أرض إسرائيل قائلين: الآباء أكلوا الحصرم، وأسنان الأبناء ضرست. حي يقول السيد الرب... الإنسان الذي كان باراً وفعل حقاً وعدلاً، لم يأكل على الجبال، ولم يرفع عينيه إلى أصنام بيت إسرائيل، ولم ينجس امرأة قريبه، ولم يقرب طامثاً، ولم يظلم إنساناً... فهو بار، حياة يحيا يقول السيد الرب» . حزقيال 18/19 - 23 .
ومن هؤلاء الأبرار الذين لم تكبلهم الخطيئة، وأثنت عليهم التوراة الأنبياء، ولو كانوا حاملين للخطيئة لما كانوا أهلاً لهداية الناس، فإن قيل عفي عنهم، فلم تره لم يعف عن الباقين كما عفى - من غير دم - عن الأنبياء الذين اختار الله منهم كليماً وخليلاً.
ومن الأنبياء الذين أثنت عليهم التوراة أخنوخ « وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد لأن الله أخذه» تكوين 5/24 .
وأيضاً نوح « وكان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله، وسار نوح مع الله » تكوين 6/9 .
وأيضاً إبراهيم فقد قيل له: « لا تخف يا إبرام أنا ترس لك، أجرك كثير جداً » تكوين 11/1 ، وقيل عنه « بارك الرب إبراهيم في كل شيء » تكوين 24/1 .
وإيليا أيضاً «فيما هما يسيران ويتكلمان إذا مركبة من نار، وخيل من نار، ففصلت بينهما، فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء» ملوك 2- 2/11 .
ومن هؤلاء الأبرار أيوب، كما امتدحته التوراة: «قد قلت في مسامعي، وصوت أقوالك سمعت. قلت: أنا بريء بلا ذنب، زكي أنا ولا إثم لي» أيوب 33/8 .
وأيضاً يوحنا المعمدان « الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان » متى 11/11 ، ويقول عنه لوقا: «لأنه يكون عظيماً أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب» لوقا 1/15 ، فهؤلاء جميعاً لم يرثوا الخطيئة، ولم تؤثر بهم مع أنهم من ذرية آدم، والكتاب يعلن صلاحهم وعدم احتياجهم إلى الخلاص بدم المسيح أو غيره..
كما أثنت التوراة على أشخاص من غير الأنبياء فدل ذلك على عدم حملهم للخطيئة الأصلية.
منهم هابيل بن آدم الذي تقبل الله منه ذبيحته لصلاحه، ولم يقبلها من أخيه فلم تمنعه الخطيئة الأصلية عن أن يكون عند الله مقبولاً انظر التكوين 4/4 ، وقد قال عنه بولس: «بالإيمان قدم هابيل للّه ذبيحة أفضل من قايين، فبه شهد له أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه» عبرانيين 11/4 .
وكذلك الناجون مع نوح كلهم من الأبرار « ورأى الله الأرض، فإذا هي فسدت، إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض فقال الله لنوح: نهاية كل بشر أتت أمامي... وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط» تكوين 6/12-7/23 ولو كانت الخطيئة موروثة لما كان مبرر لهذا التفريق.
وأيضاً شهد المسيح بنجاة لعاذر، وقد مات قبل الصلب المزعوم للمسيح « فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم، ومات الفتى أيضاً، ودفن، فرفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعاذر في حضنه، فنادى وقال: يا أبي إبراهيم، ارحمني.... » لوقا 16/21 -24 .