هل المسيح هو الله؟
وقد اهتم المحققون بمناقشة الطبيعة الواحدة للمسيح والتي تقول بها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية «المرقسية» .
وفي بيان معتقدها يقول حبيب جرجس عميد الكلية الاكليريكية بمصر موضحاً عقيدة الأرثوذكس المصريين في مسألة الطبيعة الواحدة : «إن فادينا العظيم قد تنزل عن سماء مجده، وقبل أن يتحد بالإنسان باتخاذه جسداً حقيقياً بنفس عاقلة ناطقة، فحبل به بقوة الروح القدس…واتحادهما بدون اختلاط ولا امتزاج، يصيران شخصاً واحداً، ذا طبيعة واحدة…صار المسيح ذاتاً واحدة جوهراً واحداً طبيعة واحدة، مشيئة واحدة» .
ولعل هذا المذهب أشد مذاهب النصارى كفراً، إذ أنه جعل الله هو المسيح عليه السلام كما قال الله عنهم: « لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم» «المائدة :17» .
ويعجب المسلمون كيف جعل أتباع هذا المذهب الله بشراً؟ فالقديم الأزلي لا يصير محدثاً، ولا يجري عليه ما يجري على البشر من عوارض كالنوم والنسيان والأكل والشرب وكونه يرى…
لكن النصوص المقدسة تثبت أن المسيح ليس الله، فثمة مفارقات واضحة بينهما، فالمسيح بشر، أصابته العوارض التي تصيب سائر البشر، وهي عوارض تنزه النصوص التوراتية، بل والإنجيلية الله عز وجل عنها.
فالمسيح مولود امرأة، وهيهات لمولود المرأة، ابن آدم الدود، أن يكون إلهاً، فقد جاء في التوراة «فكيف يتبرر الإنسان عند الله وكيف يزكو مولود المرأة. هوذا نفس القمر لا يضيء والكواكب غير نقية في عينيه. فكم بالحري الإنسان الرمّة وابن آدم الدود» «أيوب 25/4-5» .
فالمسيح نام في السفينة «انظر مرقس 4/35-38» ، أما الله «إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل» «المزمور 121/4» .
والمسيح كان جسداً مرئياً، والله لا يرى «الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه الذي له الكرامة والقدرة الأبدية» «تيموثاوس (1» 6/16). وهو ما يقوله يوحنا: « الله لم يره أحد قط » «يوحنا 1/18» .
يمضي يوحنا فيقول: « الله روح» «يوحنا 4/24» ، أي ليس جسماً في حين كان المسيح جسماً محسوساً باللمس والمسيح عن نفسه يقول: « انظروا يديّ ورجليّ، إني أنا هو، جسوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا، أراهم يديه ورجليه» «لوقا 24/37-41» .
بل لا تقدر الأجسام أن ترى الله، ومن رآه يموت «انظر الخروج 10/28» فكيف يزعم هؤلاء بأن البشر رأوه.
والمسيح كان صوته مسموعاً، أما الآب فالأسفار تخبر أن أحداً لم يسمع صوته، ولم يره «والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي. لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته» «يوحنا 5/37»
وكيف يقول النصارى: إن جسداً بشرياً قد اكتنفه في بطنه إلى حين ولادته، والله غير ذلك «العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي» «أعمال 7/48» . ومن المحال أن يكتنفه جسد أرضي مهما عظم، فالسماوات والأرض لا تسعه « هل يسكن الله حقاً على الأرض؟ هوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعك، فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت» «ملوك(1» 8/27)
والمسيح صلب - كما ذكرت الأناجيل - ومات، والله عن نفسه يقول: «حي أنا إلى الأبد» «التثنية 32/40» ، ويقول: «أقسم بالحي إلى أبد الآبدين» «الرؤيا 10/6» ، وهو «الذي وحده له عدم الموت ساكناً في نور، لا يدنى» «تيموثاوس (1» 6/16).
كما أفادت نصوص أخرى عجزاً للمسيح وقعوداً عن مرتبة الألوهية فدل ذلك على أنه ليس الله فقد جهل موعد الساعة « وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السماوات، إلا أبي وحده » «متى 24/36» .
وقال عن نفسه: «أنا لا اقدر أن أفعل من نفسي شيئاً » «يوحنا 5/30» .
لذا عجز أن يعد ابني زبدى بالملكوت «انظر متى 20/23» ، ولما سماه أحدهم صالحاً قال: «لم تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد، وهو الله» «لوقا 18/18-20» .
وذكر بولس أن للمسيح شركاء «من أجل ذلك مسحك الله بزيت الابتهاج أكثر من شركائك» «عبرانيين 1/8-10» . فهل هؤلاء شركاء له حتى في الألوهية؟.
كما ثمة نصوص أفادت بأن المسيح عبد إلهاً غيره، ناداه وهو على الصليب: « إلهي إلهي لماذا تركتني» «متى 27/46» .
وقال عن الله: « أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» «يوحنا 20/17» .
كما كان المسيح يعبد ربه ويصلي له، ومن ذلك صلاته ليلة أن جاء الجند للقبض عليه «انظر متى 26/39» ، فإذا كان هو الله فلمن كان يصلي، هل الله يصلي لله؟ وهل الله يدعو الله؟ ثم هل يستجيب الله لدعاء الله؟!
وقال للشيطان لما طلبه أن يسجد له: «مكتوب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد:» «متى 4/10» .
كما تثبت النصوص تغايراً بين المسيح والله، وتذكر عشرات النصوص أن المسيح مرسل من الله والمرسَل غير المرسِل، منها «الكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للآب الذي أرسلني» «يوحنا 14/24» .
وأكد يوحنا المغايرة بين الآب والابن، وأنهما ليسا واحداً في قوله على لسان المسيح : «لم أتكلم من نفسي، لكن الأب الذي أرسلني، هو أعطاني وصية ماذا أقول، وبماذا أتكلم» «يوحنا 12/49» ، فإذا كان الابن مساوياً للآب في كل شيء أو هو الآب نفسه، فلم كان الابن لا يتكلم من تلقاء نفسه بل لابد له من موافقة الآب الذي أرسله وأعطاه وأوصاه بالكلام الذي ينبغي أن يقوله.
ويقول المسيح أخرى: «أرسلتني إلى العالم…ليؤمن العالم أنك أرسلتني…» «يوحنا 17/21-24» .
ومن النصوص التي أفادت المغايرة قول بولس عن المسيح «الذي أقامه من الأموات» «كولوسي2/12» ، فالقائم من الموت غير الذي أقامه.
ويقول بولس: «نشكر الله أبا ربنا يسوع المسيح» «كولوسي 1/3» . فالأب ليس الابن، بل أبوه.
ويقول المسيح: «كما أحبني الأب» «يوحنا 15/9» ، ويقول: « ليفهم العالم أني أحب الآب وكما أوصاني الآب » «يوحنا 14/31» ، فالمحب غير المحبوب، والموصي غير الموصى.
ويقول: «ما سمعته من أبي» «يوحنا 1/15» ، فالسامع ليس القائل.
ويؤكد الفرق بينه وبين الله، فيقول: «أبغضوني أنا وأبي» «يوحنا 15/24» .
ومما يفيد أيضاً المغايرة بين الأقانيم الثلاثة قول بطرس: «يسوع الذي من الناصرة كيف مسحه الله بالروح القدس والقوة الذي جال يصنع خيراً» «أعمال 10/38» ، فالله مسح عيسى بالروح القدس، فهم ثلاث شخصيات متمايزة منفصلة.
وجاءت نصوص تقول بأن المسيح بعد القيامة «ارتفع وجلس عن يمين الله» «مرقس 16/19» . ويقول بولس: «المسيح جالس عن يمين الله» «كولوسي 3/1» ، فالذي عن اليمين غير للذي عن شماله.
وقد قال لمريم: « وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» «يوحنا 20/17» ، فالصاعد غير الذي يصعد إليه.
كما أن هذه الغيرية تنطوي على عدم تساوٍ بين الله والمسيح، فقد قال المسيح: «أبي أعظم مني» «يوحنا 14/28» ، وقال: «أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل» «يوحنا 10/29» ، وقال: «الحق الحق أقول لكم: إنه ليس عبد أعظم من سيده، ولا رسول أعظم من مرسله» «يوحنا 13/26» ، وقال: «الحق أقول لكم، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل» «يوحنا 5/19» .
وأكد بولس خضوع المسيح في النهاية لله فقال: ^ ومتى أخضع له الكل، فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذي أخضع له الكل، «أي لله» كي يكون الله الكل في الكل ^ «كورنثوس (1» 15/28)، فهو ولاشك دون الآب خاضع له، وليس هو الآب، فهل هذان أقنومان متساويان أم شخصان متغايران؟
كما يتغاير الابن عن روح القدس، ولا يتساويان، لذا يقول المسيح: «ومن قال كلمة عن ابن الإنسان يغفر له، وأما من قال عن روح القدس فلن يغفر له، لا في هذا العالم، ولا في العالم الآتي» «متى12/32» .
فدل النص على أن روح القدس أفضل من المسيح، وهو أيضاً مخالف لترتيب صيغة التثليث التي تقدم المسيح على الروح القدس.
ومما يؤكد المغايرة بين هذه الأقانيم وعدم تساويها تحريم الكنيسة تغيير ترتيب الثالوث كالقول باسم الروح القدس والابن والآب، إذ يعتبر هذا القول هرطقة، وقد كان قولاً شائعاً في أوربا في العصور الوسطى، وقد حاربته الكنيسة حتى اندثر؟ فمنع هذه الصيغة دال على عدم التساوي، والأمر بالمحافظة على الترتيب المشهور مشعر بأهمية بعض الأقانيم على بعض.
وأخيراً: الله ليس له شبيه ولا نظير، لا في السماء ولا في الأرض، لا المسيح ولا غيره «قال: أيها الرب إله إسرائيل، لا إله مثلك في السماء والأرض» «أيام (2» 6/14)، وقال: « لأنه مَن في السماء يعادل الرب؟ من يشبه الرب بين أبناء الله؟» «المزامير 89/6» .