تنبؤات العهد الجديد بنجاة المسيح
إن خبر تنبؤ المسيح بقتله وصلبه، معارَض بنصوص كثيرة، أخبر المسيح فيها بنجاته، ومنها قوله حسبما جاء في يوحنا: « فأرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداماً ليمسكوه، فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيراً بعد ثم أمضي إلى الذي أرسلني، ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا » .
وقد فهم منه اليهود أنه أراد نجاته منهم « فقال اليهود فيما بينهم: إلى أين هذا مزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن ؛ ألعله مزمع أن يذهب إلى شتات اليونانيين، ويعلم اليونانيين، ما هذا القول الذي قال: ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا» يوحنا 7/32 – 36 .
ومرة أخرى، جاهر المسيح بنجاته منهم قائلاً: « أعلم من أين أتيت، وإلى أين أذهب، وأما أنتم، فلا تعلمون من أين آتي، ولا إلى أين أذهب …. قال لهم يسوع أيضاً: أنا أمضي، وستطلبونني وتموتون في خطيتكم، حيث أمضى أنا، لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال اليهود: ألعله يقتل نفسه حتى يقول: حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا. فقال لهم: أنتم من أسفل. أما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم …
فقال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان، فحينئذ تفهمون إني أنا هو، ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني أبي، والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الأب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه » يوحنا 8/21 - 29 .
ثم مرة أخرى، لما أعطى يهوذا اللقمة قال لتلاميذه: « يا أولادي أنا معكم زماناً قليلاً بعد، ستطلبونني، وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، أقول لكم أنتم الآن..... قال له سمعان بطرس: يا سيد، إلى أين تذهب، أجابه يسوع: حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً » يوحنا 13/32 - 36 .
ومنها أيضا قول المصلوب - يهوذا - وهو في المحاكمة: « من الآن يكون ابن الإنسان جالساً عن يمين قوة الله » لوقا 22/69 فقد رأى يهوذا نجاة المسيح بما رآه أو سمعه من المسيح عن نجاته، وما شاهده من نجاة المسيح لحظة ألقي الشبه عليه، وهو يخبر أنه في تلك اللحظة، المسيح في السماء، وقد رفع بقوة الله.
وقد رأى المحققون في هذه النصوص نبوءة واضحة بنجاة المسيح عليه السلام من يد أعدائه، وأنه سيرفع للسماء، فهو المكان الذي لا يقدرون عليه، ولو كان مقصده الموت، فإن ذلك أمر يطيقه كل أحد، كما أن أحداً لا يتحدى بأنه سيموت وهم لن يستطيعوه. لقد كان المسيح يتحدى أعداءه وهو يقول: « هو ذا بيتكم، يترك لكم خراباً، لأني أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن، حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب » متى 23/28 - 29 .
ومن النصوص التي تحدثت أيضاً عن نجاة المسيح قوله: «هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون فيها، كل واحد إلى خاصته، وتتركونني وحدي، وأنا لست وحدي، لأن الآب معي، قد كلمتكم بهذا ليكون لكم في سلام، في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم » يوحنا 16/32 - 33 فأين هذا من القول بصفع المسيح وصلبه وضربه ؟
ومن النصوص الدالة أيضاً على نجاة المسيح قول يوحنا: « من عند الله خرج، وإلى الله يمضي »
يوحنا 13/3 ولو كان المقصود الموت، فكل الناس إلى الله تمضي، والقول بأن مضيه إنما يكون بعد الدفن ثلاثاً، يحتاج لدليل يثبت ذلك.
ومن النصوص الدالة أيضاً على نجاة المسيح ما جاء في متى « فقال لهم يسوع: هل يستطيع بنو العرس أن ينوحوا مادام العريس معهم ؛ ولكن ستأتي أيام، حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون » متى 9/15 ، ومقصده رفعه للسماء.
ولئن كان بولس قد تولى كبر القول بصلب المسيح، فإن الحق يراه المتبصر في فلتات لسانه، فيجد ما يدله على نجاة المسيح من الصلب. ومن ذلك قوله في وصف ملكي صادق: « لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم، كاهن الله العلي،.. بلا أب، وبلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولانهاية حياة، بل هو مشبه بابن الله، هذا يبقى إلى الأبد » عبرانيين 7/1 -3 فيفهم من قوله بولس هذا: أن ليس للمسيح نهاية أرضية سابقة، كما هو الحال في ملكي صادق.
ومن ذلك أيضاً: أن في أقوال بولس ما يجعل حادثة الصلب قضية غير مسلم أنها حصلت للمسيح، ويُرى ذلك بالإمعان في هذه الأقوال، يقول بولس: «أما نحن فنكرز بالمسيح مصلوباً، شكاً لليهود، وجهالة للأمم » كورنثوس 1- 1/ 23 ، وقد قال قبلها: « فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين، فهي قوة الله » كورنثوس 1- 1/18 .
ومن أظهر أدلة نجاة المسيح ما قاله بولس عن المسيح: « في أيام بشريته قَرب تضرعات واستغاثات، وصراخ شديد، ودموع ذوارف للقادر، الذي بوسعه أن يخلصه من الموت، فاستجاب له من أجل تقواه » عبرانيين 5/7 .
فهذا النص، شهادة ناطقة، بأن الله استجاب للمسيح تضرعه في تلك الليلة، وصرف عنه ما كان يحذره ويخافه من الصلب.
ولنا أن تساءل عن تضرع المسيح ودعائه وطلبه صرف الصلب عنه، هل كان المسيح بجهل أنه سيصلب، وإذا كان يعلم أنه سيصلب فما فائدة هذا الدعاء والتضرع؟ فقيام المسيح بالدعاء دليل على ثقته بأن الله سيستجيب له. ثم لا يليق أن يقال بأن الله رد المسيح خائباً بعد هذا التضرع والدعاء، فمثل هذا لا يحصل إلا مع عصاة العباد.
ومما يؤكد استجابة الله للمسيح: ظهور ملاك له ليقويه انظر لوقا 22/43 فهل كان ذلك الملاك يضحك عليه ؟ أم يعينه فينجيه.
و هذا هو ما يليق بعدل الله ورحمته، وأن الله استجاب للمسيح فأنجاه، وصلب يهوذا الخائن، فهذا أليق بعدل الله وكرمه من القول بعدم استجابته للمسيح، وصلبه.
فاستجابة الله للأنبياء والصالحين حال دعائهم أمر مشهود، فقد وعد رسله بالنجاة ؛ كما وعد دواد «لا أموت، بل أحيا، وأحدث بأعمال الرب.. إلى الموت لم يسلمني » مزمور 118/17 – 18 ، وفي رسالة يعقوب « صلاة الإيمان تشفي المريض، والرب يقيمه…» طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها، كان إيليا إنسانا تحت الآلام، ومثلنا صلى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر، ثم صلى أيضاً فأعطت السماء مطراً، وأخرجت الأرض ثمرها « يعقوب 5/15 – 18
وقد استجاب الله عز وجل لإبراهيم لما أمره بذبح ابنه، فامتثل لأمر الله، فأنجى الله ابنه واستجاب له طلبه.
ويؤكد العلامة ديدات على قرينة وحدة أفعال الله، لإبطال صلب المسيح والحكم بنجاته، فقد نجى الله ابني دانيال، وإبراهيم، والفتية الثلاثة الذين ألقوا في النار.
أما نجاة إبراهيم، فقد ذكرت في قوله تعالى " قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم * فأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين " الأنبياء: 68 - 70 .
وأما دانيال، فقد ألقاه الملك في جُبَّ مع الأُسود، وختم الجب بخاتمه، ثم لما فتحه ناداه » يا دانيال عبد الله الحي. هل إلهك الذي تعبده دائماً قدر على أن ينجيك من الأسود ؟ فتكلم دانيال مع الملك: يا أيها الملك، عش إلى الأبد، إلهي أرسل ملاكه، وسد أفواه الأسود، فلم تضرني، لأني وجدت بريئاً قدامه وقدامك أيضاً.. فأمر الملك، فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال، وطرحوهم في جب الأسود هم وأولادهم، ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأُسود، وسحقت كل عظامهم « دانيال 6/15 - 24 .
وأما الفتية الثلاثة فقد أُلقوا في النار، ولكن » لم تكن للنار قوة على أجسامهم، وشعرة من رؤوسهم لم تحترق، وسراويلهم لم تتغير، ورائحة النار لم تأت عليهم « دانيال 3/27 .
والعجب لإصرار النصارى على تكذيب المسيح وقد أخبر بنجاته، وقد أمكن الله له سبل النجاة المتنوعة، كما يسرها لكثيرين دونه في الفضل، منهم بطرس الذي دخل ملاك الرب إلى سجنه، وحطم سلاسله وهو نائم، وأمره بالخروج أعمال 12/7 .
وكذلك نجا بولس - في زعمهم - فقد تزلزلت الأرض، وتصدع السجن، وتحطمت القيود. وانفتحت الأبواب، فهرب وصاحبه سِيلا من سجنهما. انظر أعمال 16/26 .
فِلمَ أمكن هذا لبطرس وبولس، ولم يمكن للمسيح وهو أولى منهما برعاية الله وحفظه ؟!
وهكذا ومن خلال هذه الأمثلة، نرى أن رعاية الله قد أحاطت بالمسيح، وأنجته من يدي أعدائه، فتحقق ما كان قد تنبأ به بقوله: » والذي أرسلني هو معي، ولم يتركني الأب وحدي، لأني في كل حين أفعل ما يرضيه ^ يوحنا 8/9 ..